متى 5: 9 » عود كبريت » من شجرة واحدة تصنع مليون عود كبريت، و يمكن لعود كبريت واحد أن يحرق مليون شجرة, لذلك لا تدع أمر سلبي واحد يؤثر على ملايين الإيجابيات في حياتك أفسس 14:5 » لذلك يقول استيقظ ايها النائم وقم من الاموات فيضئ لك المسيح ( أف 14:5 ( فيليبي 4: 7 » وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ - فيليبي 4: 7 مزمور 4:37 » وتلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك  ( مزمور 4:37(
لافتة إعلانية
طباعة
شجرة الخيزران
السنة الثامنة والعشرون ربيع سنة 2006

شجرة الخيزران

شجرة الخيزرانتسلقت يوما إحدى الهضاب الجميلة أتامل في جمال صنعة الخالق، وكانت النسمات العليلة تداعب أغصان الأشجار، فتبعث في النفس نشاطا وقوة. ولقد عجبت من خصب تلك السفوح ودوام خضرتها، لكن علمت فيما بعد أنها تروى بمياه الينابيع التي تجري إلى هناك من أماكن بعيدة في أنابيب مصنوعة من جذوع أشجار الخيزران.

نظرت بين أشجار تلك البقعة شجرة باسقة الأغصان وارفة الظلال. ترتفع بقمتها إلى علو شاهق. لها أغصان جميلة وأوراق ناعمة تتمايل مع النسيم كأنها تتيه عجبا وتزهو طربا وعلى  جذعها الغليظ محفور اسم صاحبها بأحرف واضحة.

وقفت في ظلها هنيهة أستمع إلى حفيف أوراقها الناعمة بإعجاب فسمعت صوتًا خافتا يقول:

لا تتعجب من قوة جذعي وطول قامتي وجمال أغصاني. فما كانت لي هذه لولاي سيدي الذي نقلني إلى هذا المكان الجميل وغرسني بيديه الكريمتين، ثم سيج حولي وأحاطني بعنايته، فسقاني واعتنى بي إلى أن بلغت ما بلغت. فتأصلت وتعمقت حتى اهتديت بجذوري إلى مخابئ المياه التي لا تنضب فارتويت إلى هذا اليوم وامتلأت قوة واكتسيت جمالا ولم يعوزني بعد ذلك شيء. فأنا مدينة بجمالي لسيدي العظيم الذي غرسني وأحياني وبه أفتخر. أما تلك الشجيرات الضعيفة المحيطة بي لم تبلغ ما بلغت إذ لم تصل بعد بجذورها إلى الينابيع الحية كما وصلت. وأنظر إلى هذه الأحرف المحفورة على صدري. إنها اسم سيدي وقد حفرت في أعماق كياني لكي لا تمحى. مع أنها حفرها كان مؤلما جدًا في الأول قبل أن أفقه معناها عندما رأيت المدية لأول في يد سيدي. لكني هتفت بعد ذلك بفرح عظيم إذ نظرت وإذا بتلك الحرف تشير إلى اسم سيدي فعلمت عندها أنه أحبني إلى الغاية وألبسني مجده وبهاءه ليعرف الجميع اني له. فيا لفرحي وفخري بهذا السيد العظيم الحنون.

سمعت ما قالته تلك الشجرة وقد أخذ مني الذهول كل مأخذ. وبينما أنا كذلك، إذا بسيدها نفسه يقترب مني رويدًا رويدًا وفي يده فأس. ثم نظر إلى شجرته بحنو وشوق وخاطبها قائلا:

"أيتها العزيزة، لي إليك حاجة فهل تقدمين نفسك لي؟".

فأجابت الشجرة: "يا سيدي، إني لك وكلي ملكك، ولكن ما حاجتك إلى مثلي؟".

فقال السيد: "إني أحتاج إليك لأنقل مياهي الحية إلى أماكن جافة مجدبة لا مياه فيها".

قالت الشجرة:

"لكن كيف أستطيع ذلك، فإني أقدر أن أمتص بجذوري أعمق المياه فأرتوي وأحيا. وأن أرفع يدي إلى السماء فأشرب من أمطارها فأفرح. فيدرك الجميع قدرتك وفضلك. أما أن أعطي ماء لغيري فلم يخطر لي على بال. فإن كنت لا أملك من الماء غير ما يكفيني فكيف أقدر أن اسقي الآخرين".

عندها أجاب السيد برقة وهدوء:

"أستطيع أن استعملك إن كنت تسمحين لي بذلك، فإني أقطعك من أصولك وأجردك من أغصانك إلى أن تصبحي جرداء عارية، ثم أحملك من هذا المكان الجميل الذي تعودت أن تعيشي فيه بين رفيقاتك وأضعك على أحد السفوح البعيدة حيث لا أنيس لك ولا سلوى غير أعشاب البرية الجافة. وعند ذلك أنزع بمديتي من قلبك كل اللب إلى أن يصبح داخلك خاليا صالحا لجريان الماء الحي منه. الحق يقول أنك ستموتين ولكن سيجري مائي الحي من داخلك بلا انقطاع، سيزول عنك كل جمالك ويذهب كل بهائك ومجدك فلا تعودين قبلة أنظار الناظرين إليك وموضوع إعجاب المعجبين بك ولكن عطاشا كثيرين سينحون ليشربوا من المياه التي ستجري فيك. وسوف لا يكترث بك أحد فتصيرين مجهولة من الجميع، لكنهم سيباركون السيد الذي أعطاهم بواسطتك ماء حيا في عطشهم فهل ترضين يا شجرتي بكل ذلك؟".

سمعت كل هذا فاحتبس نفسي من خطورة الموقف ووقفت مذهولا متحيرًا وأصغيت لأسمع ما ستجيب به الشجرة فإذا بها تقول:

"يا سيدي، كل ما لي هو لك لأنه منك، فما دمت تحتاج إلي فإني أقدم لك نفسي، بكل قبول وابتهاج وأرضي طوعا أن أموت ما دمت ستنقل الماء الحية بواسطتي إلى الآخرين. فها أنا لك يا سيدي خذني وليكن كما تشاء".

نظرت وإذا وجه السيد يزداد حنوًا ولطفا، ثم رأيته يرفع الفأس ويهوي بها على أصل الشجرة، وبعد ضربات متوالية سقطت بأغصانها وأوراقها الجميلة إلى الأرض، فلم تتململ ولم تتأوه بل انحنت تحت ضربات سيدها ولم تخرج من فمها سوى الكلمات: "يا سيدي، كما تشاء" ولم يلق السيد فأسه عند هذا الحد بل أعملها في أغصان الشجرة فعراها وأزال عنها مجدها ورفعتها إلى الأبد.

ومع أن الشجرة أصبحت عريانة لكن نور المحبة في وجه السيد ازداد لمعانا إذ رأيته يحمل ما تبقى من شجرته على كتفيه ويسير بها وسط تأوهات رفيقاتها ودموعهن إلى مكان بعيد فوق الجبال. أما هي فلم تقل شيئا بل سرها أن تستريح على كتفي سيدها وسمعتها تقول "يا سيدي خذني إلى حيث تشاء".

ولمَّا وصل بها إلى مكان موحش مقفر ألقى بها إلى الأرض، ثم بهدوء وحزم أخرج آلة حادة وادخلها إلى قلب الشجرة وقد فعل هذا ليخرج ما في داخلها إلى أن تصبح أنبوبة فارغة صالحة لجريان الماء فيها. إذ بدون نزع قلبها لا تستطيع أن تجري فيها المياه إلى الأراضي الجافة. أما الشجرة فلم تتململ رغم كل هذا بل سمعتها تقول بقلب كسير: "يا سيد لتكن مشيئتك".

تابع السيد عمله بآلته الحادة في قلب الشجرة ووجهه يفيض حنانا وعطفا وقلبه يتدفق رقة ومحبة، حتى أزال كل ما في داخلها فأصبحت الشجرة أنبوبة فارغة من الطرف الواحد إلى الآخر فنظر السيد إليها بارتياح. ثم عاد وحملها مرة أخرى وهي كما هي جريحة متألمة. ووصل بها إلى نبع غزير تتدفق مياهه نقية عذبة. فوضع أحد طرفيها في وسط النبع فجرت المياه داخلها إلى الطرف الثاني واجتازت من هناك كل الطريق المملوءة بالآلام، وجرت ولم تتوقف على الدوام. ونظر السيد إلى كل ذلك بقلب مرتاح.

بعد قليل عاد السيد فنظر إلى شجرته وقال: "هل تحزنك الوحدة والآلام أيتها العزيزة في هذا المكان الموحش المقفر، وهل ندمت إذ خسرت ما خسرت كي تنقلي الماء الحي للعطاش".

فأجابت الشجرة سيدها وقالت: "لا يا سيد لا وألف مرة لا". فأن خطر ببالك يا أخي العزيز أن تسأل عن سبب عدم استخدامك من قبل السيد في خلاص نفوس الآخرين فالجواب بسيط وهو "إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقي وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير يوحنا 24:12".

أتسمح للسيد أن يقطع أغصان حياتك الجميلة والمتشامخة وينقلك إلى حيث يشاء بعيداً عن كل عز أو أنيس؟ وهل تسمح له أن يخرج لب ذاتك ليفرغك لتكون أنبوبة يجري منك ماء الحياة للآخرين؟ فتموت أنت ويحيا الكثيرين. وتموت لتوصل الماء للأماكن المجدبة روحيا وتكون سبب بركة لهم وإن ابتغيت هذا حقا سلم نفسك للرب للموت ولتكن طلبتك كطلبة شجرة الخيزران لأن رضى السيد رضاك.

مجلة مصباح الحق السنة الواحدة والثلاثون شتاء سنة 2009

 

خدمات الكنيسة